غياب التشاركية بين المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الصيادلة … قرارات تعمّق أزمة قطاع الصيدليات

{title}
صوت الحق -
الدكتور يوسف أبو ملوح
عضو مجلس نقابة الصيادلة

يشهد قطاع الصيدليات في الأردن حالة من التوتر المتصاعد بسبب ما يصفه صيادلة وأصحاب صيدليات بعدم تعاون المؤسسة العامة للغذاء والدواء مع نقابة الصيادلة، وهي الجهة الشرعية التي تمثل عشرات الآلاف من العاملين في المهنة، وتُعدّ تاريخيًا أحد أعمدة القطاع الصحي الوطني.

فخلال الأشهر الماضية، اتخذت المؤسسة مجموعة من الإجراءات والقرارات التي يرى الصيادلة أنها تمسّ استقرار القطاع وتُلحق الضرر بالصيدليات، دون أي تشاور حقيقي مع النقابة، ودون الأخذ بآراء أهل الاختصاص أو مراعاة الآثار الاقتصادية لهذه القرارات على الصيدليات، التي تُعدّ منشآت وطنية تخدم المجتمع وتوفر فرص عمل.

إذ تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من الصفحات والمجموعات التي تروج لمستحضرات دوائية وصيدلانية يزعم أصحابها بأنهم حاصلون على موافقات من المؤسسة. وآخرها تطبيقات تعرض الأدوية للبيع دون ضوابط مهنية تحترم قداسة مهنة الصيدلة ودورها في منظومة الرعاية الصحية من خلال توفير الاستشارات الصيدلانية والمراجعة الدوائية.

ويشعر الكثير من أصحاب الصيدليات بأن المؤسسة تتعامل معهم وكأنهم ليسوا مواطنين ولا شركاء في المنظومة الصحية، بل وكأن النقابة التي تمثلهم جسم غريب، لا يمتد بجذوره إلى المؤسسات الوطنية الراسخة التي لعبت دورًا محوريًا في بناء النظام الصحي الأردني.

هذا التوجه يتناقض مع توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني الذي يؤكد باستمرار على ضرورة أن تقوم علاقة المؤسسات الحكومية بالنقابات المهنية على أساس التشاركية والاحترام المتبادل، وباعتبار النقابات بيوت خبرة لا يمكن تجاوزها عند صياغة السياسات أو اتخاذ القرارات التي تمسّ القطاع أو العاملين فيه.

إن استمرار اتخاذ القرارات بشكل منفرد يعمّق الفجوة بين المؤسسة والقطاع الصيدلاني، ويخلق شعورًا بالإقصاء لدى النقابة التي طالما كانت شريكًا وطنيًا موثوقًا في حماية الدواء وتنظيم المهنة. كما يهدد هذا النهج استقرار آلاف الصيدليات التي تواجه أصلًا تحديات اقتصادية متراكمة، ويضعف قدرة القطاع على تقديم خدمات دوائية آمنة وفعّالة للمواطنين.

إن المطلوب اليوم ليس صدامًا ولا شدّ حبال، بل عودة إلى طاولة الحوار واحترام الدور الدستوري والقانوني للنقابات المهنية، كونها بيوت الخبرة الأساسية المعنية بالقطاع الصيدلاني وتنظيمه، وإعادة بناء جسور الثقة بين المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الصيادلة. فالقطاع الصحي لا يمكن أن ينهض دون تشاركية حقيقية بين جميع مكوناته، ولا يمكن لأي مؤسسة – حكومية كانت أم نقابية – أن تعمل بمعزل عن الأخرى.

وفي النهاية، فإن مصلحة المواطن هي الهدف الأسمى، ولن تتحقق إلا من خلال قرارات مدروسة تصدر بروح الشراكة، وليس عبر إجراءات أحادية تُربك القطاع وتضرّ بأصحاب الصيدليات الذين هم جزء أصيل من النسيج الوطني.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS