الأردن... وطن لا يخون التاريخ ولا يخذل الدم

{title}
صوت الحق -
بقلم: سلطان عبد الكريم الخلايلة


في زمن الانهيارات والتقلبات السياسية، بقي الأردن ضميرًا عربيًا حياً يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني بثبات الموقف وشجاعة القرار، فلم يتردد جلالته يومًا في الدفاع عن فلسطين، ولم تغب غزة عن وجدانه، ولا عن أجندته السياسية والإنسانية.

ومنذ اليوم الأول للعدوان، كان الملك الصوت العربي الأعلى في المحافل الدولية، يواجه الكبار بصراحة وجرأة، لا يعرف المساومة ولا التردد، وقاد دبلوماسية استثنائية حملت صوت الحق إلى كل العواصم العالمية.

الملك زار البيت الأبيض، والتقى بالرئيس الأمريكي في ذروة مواقفه المتعصبة، فكان الملك العربي الوحيد الذي تحدث من قلب الموقف، لا من حسابات المصالح، مدافعًا عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة، ومؤكدًا أن الأردن لا يساوم على العدالة، ولا يتنازل عن مبادئه.


لم تكن هذه الدبلوماسية مجرد بيانات سياسية، بل كانت امتدادًا لموقف تاريخي متجذر في هوية الدولة الأردنية، التي لم تتاجر يومًا بالقضية الفلسطينية، بل حملتها أمانةً على عاتقها منذ التأسيس وحتى اليوم.


وعلى الأرض، كان الجيش العربي الأردني عنوانًا للإنسانية، يضمد الجراح، ويؤسس جسور الإغاثة التي اخترقت الحصار، صعد الملك بنفسه على متن طائرة عسكرية ليكون أول من أوصل المساعدات إلى أهل غزة في أحلك الظروف، في مشهدٍ جسّد وحدة القيادة والجيش والشعب في موقف إنساني نبيل.


وعلى مدار عامين كاملين، لم تتوقف القوافل، ولا الإنزالات الجوية، ولا المستشفيات الميدانية، وبفضل التوجيهات الملكية السامية، ودور الهيئة الخيرية الهاشمية، كان الأردن الشريان الذي يمد غزة بالدواء والغذاء، من خلال المستشفىات الميدانية، وجسور جوية لم تنقطع، وبدعم شعبي لا يعرف الملل ولا اليأس.


أما الشعب الأردني، فكان على عهده كريمًا بوعيه، صلبًا بكرامته، وفياً بموقفه، في كل حملة تبرعات، كان يرسل مع كل دينار صرخة تضامن، ومع كل وجبة غذاء رسالة إخاء، وتنفس الأردنيون القضية الفلسطينية كما يتنفسون هواء هذا الوطن، واعتبروا غزة شقيقتهم التي لا يمكن تركها وحيدة مهما اشتدت الظروف.


ورغم حملات التشكيك والتجني التي حاولت بث السموم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بقي الأردنيون على بصيرتهم، رغم آثام الحاقدين التي أرادت النيل من صلابة الموقف الأردني، لكن وعي الشعب أفشل محاولاتهم، وأثبت أن الثقة بين القيادة والشعب أقوى من كل خطاب زائف.

لقد رفض الملك التهجير، وواجه الضغوط، وبقي ثابت المبدأ، فكان للأردن موقف لا يتزعزع في وجه رياح الكذب والدسائس، ومثالًا للثبات السياسي والإنساني في عالمٍ متقلب.

الجميع يعلم أن القضية الفلسطينية لم تكن في الأردن يومًا ملفًا سياسيًا عابرًا، بل وجعًا شخصيًا يتوارثه الهاشميون جيلًا بعد جيل، وفي حرب غزة، تجلى هذا الوجع في الفعل لا في القول، في طائرة إغاثة، وفي صوت في الأمم المتحدة، وفي مستشفى على الأرض، وفي دمعة أم أردنية تبكي أطفال غزة كأنهم أطفالها.

بعض الأصوات حاولت المتاجرة بالقضية لأغراض انتخابية أو شعبوية رخيصة، لكنها تجارة خاسرة، فغزة لا تحتاج إلى خطابات، بل إلى صدق وموقف ودم يروي الأرض، والحقد على الأردن لا يخدم إلا الاحتلال. أما نقد الوطن في لحظة عطائه، فهو خيانة لقيم الوفاء التي تربّينا عليها.

نحن أبناء هذا الوطن، السنديان الذي لا ينحني، والبارود الذي لا يصدأ، نقف مع الملك صفًا بصف، وكتفًا بكتف، لأننا نؤمن أن الأردن وطن لا يخون التاريخ، ولا يخذل الدم، ولن يكون إلا كما أراده أبناؤه، وفيًا حرًا صادقًا في مواقفه وإنسانيته.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS