(إسرائيل): بين استراتيجيات الردع وحلم الهيمنة

{title}
صوت الحق -
 بقلم د. نعيم الملكاوي*
في اقليم مليء بالتغيرات الجيوسياسية تعتمد (إسرائيل) منذ نشأتها في عام 1948 على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات العسكرية والأمنية المتطورة والتي تم التركيز على تطويرها في ستينيات القرن الماضي بدعم امريكي لا محدود ، مواجهةً بذلك التحديات الجيوسياسية والتكنولوجية المتغيرة في لكافة التهديدات المحتملة في المنطقة .
الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية التي تُمارس في الصراعات الأخيرة تعكس تحولاً في تكتيكات القتال والأمن . (إسرائيل) التي تواجه تهديدات متعددة من جبهات مختلفة ، تركز على ما يُعرف بـ "الحملة بين الحروب" (CBW "Campaign Between Wars") ، وهي استراتيجية تهدف إلى تأخير الحروب وردع الأعداء من خلال إضعاف عمليات تكديس القوة لديهم وتدمير أصولهم العسكرية وقدراتهم ، كل ذلك دون الدخول في حرب شاملة هذه الاستراتيجية تركز على العمليات الهجومية المستندة إلى معلومات استخباراتية عالية الجودة والجهود السرية ، بهدف خلق ظروف مثالية ( لإسرائيل ) إذا ما اضطرت إلى خوض حرب فعلية . وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الردع الإسرائيلي ضد أعدائها الإقليميين ، وتقليل التهديدات التي تواجه الدولة ومواطنيها ، وتحسين قدرات القوات العسكرية بالإضافة إلى ذلك ، تبنت نهجاً عملياتياً يشمل استهداف القيادات المتقدمة في التنظيمات المعادية بشكل دوري ، دون معالجة الأسباب الجذرية لهذه المواجهات ، وهو ما يُعرف بـ " قص او جز العشب "، وهذا يعكس تفضيل (إسرائيل) للحلول العسكرية قصيرة المدى على الاستراتيجيات طويلة الأمد التي تعكس رغبتها في الحفاظ على أمنها القومي مع التقليل من فرص نشوب حرب شاملة ، وفي الوقت ذاته ، تهدف إلى تحقيق استقرار نسبي يسمح للدولة بتعزيز نموها وتقدمها. ومشاريعها التوسعية .
تشمل هذه الاستراتيجيات الردع ، الضربات الاستباقية ، والتعاون الدولي ، بالإضافة إلى إدارة المناطق المتنازع عليها والمرونة التكتيكية لقواتها العسكرية .
1. *الردع والحروب الاستباقية :* تشكل سياسة الردع العمود الفقري لاستراتيجية (إسرائيل)، حيث تحرص على الحفاظ على تفوق جوي وتكنولوجي ، وتطوير أسلحة متقدمة . أبرز الأمثلة على هذا التوجه هو تطوير القدرات النووية منذ الستينيات كرادع استراتيجي ، مع الحفاظ على سياسة الغموض النووي .
تتبع (إسرائيل) أيضاً استراتيجية الحروب الوقائية ، كما يظهر من خلال الضربة الجوية التي استهدفت مفاعل تموز في العراق عام 1981 ومفاعل الكبر في سوريا عام 2007، لمنع تطور القدرات النووية لهذه الدول .
2. *الأمن الاستخباراتي والإلكتروني :* وحدة 8200 المعروفة بتخصصها في الحرب الإلكترونية وجمع الاستخبارات ، تُعتبر ركناً أساسياً في تعزيز الأمن القومي (لإسرائيل) ، بالإضافة إلى استخدام الحرب الإلكترونية والسيبرانية للدفاع عن بنيتها التحتية وتعطيل أنظمة اي عدو محتمل . وقد ساهم فيروس ستكسنت "Stuxnet" الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية عام 2010 ، وفي 2020 وقع انفجار في منشأة نطنز النووية الإيرانية ، والذي أدى إلى أضرار مادية كبيرة ، مما يشير إلى احتمالية عمل تخريبي ، رغم أن أي دولة لم تتحمل المسؤولية رسمياً .
3. *الدفاع الصاروخي والمرونة التكتيكية :* نظام القبة الحديدية المتنوع يعكس الجانب الدفاعي من استراتيجية (إسرائيل) ، حيث يُعتبر هذا النظام خط الدفاع الأول ضد الهجمات الصاروخية والمسيرات ، ويظهر كيف يمكن للتقدم التكنولوجي أن يوفر حماية مادية ومعنوية للمدنيين . المرونة التكتيكية للقوات العسكرية تُمكن (إسرائيل) من تنفيذ عمليات معقدة والاستجابة بفعالية للتهديدات المتغيرة .
4. *التعاون الدولي والدبلوماسي :* تسعى (إسرائيل) إلى تعزيز التحالفات الدولية ، وقد تجلى ذلك من خلال اتفاقيات السلام مع مصر ، الأردن والسلطة الفلسطينية ، والاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين ، هذه الاتفاقيات تعكس استراتيجية (إسرائيل) لبناء شبكة علاقات تعزز من موقفها الأمني والسياسي في المنطقة وتصنع لها كوريدورات لتغلغل في الاقليم .
5. *التحديات والتعامل مع الأخطار :* (إسرائيل) تواجه تحديات أمنية مستمرة ، خاصة من جانب الشعب الفلسطيني ، إيران ، حزب الله وحديثاً من الجماعات الحوثية اليمنية ( ما يسمى بمحور المقاومة ) . في مواجهة حزب الله ، تستخدم (إسرائيل) عمليات الاغتيال والغارات الجوية لمنع تراكم القوة ونقل الأسلحة المتطورة ، كما تستغل الاستخبارات لتحديد الأنشطة العسكرية والتجسسية المعادية لهذا الحزب . أما في الحالة الإيرانية فتتبع اسلوب الضربات الانتقائية والاغتيالات متخذة من سوريا ساحة لتصفية الحسابات ، في حين يترك أمر ردع الاذرع للطرف الأمريكي وحلفاءه .
هذا المقال يُسلط الضوء على كيفية استخدام (إسرائيل) لمجموعة متكاملة من الاستراتيجيات العسكرية ، الأمنية و التوسعية لمواجهة التحديات المتنوعة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، مؤكدةً على أهمية الردع والحفاظ على الاستقرار الإقليمي تمهيداً لمشاريعها الرامية الى الاندماج والهيمنة المطلقة .
مع الاحتفاظ بحق الكتابة اللاحق عن مدى عدم فاعلية هذه الاستراتيجات على ارض الواقع العملياتي في المواجهة التاريخية مع المقاومة والشعب في قطاع غزة على مدار اكثر من 200 يوم ، وكيف تمكنت المقاومة من اسقاط هذه الاستراتيجيات وابطال فاعليتها .