هاني الدباس يكتب : السياحة الأردنية في عين العاصفة

{title}
صوت الحق -
في ظل  التوتر المتصاعد في المنطقة ، ووسط الاضطرابات الاقتصادية العالمية، يمر قطاع السياحة والفنادق في الأردن بمرحلة حساسة تتطلب استجابة سريعة وجذرية. هذه المرحلة الحرجة لا تحتمل التعامل التقليدي أو المعالجات المرحلية، بل تحتاج إلى نهج وطني استثنائي يعيد بناء القطاع على أسس أكثر مرونة واستدامة.

يظهر الرهان على السياحة الداخلية كطوق نجاة حقيقي، فحين تنكمش الأسواق الخارجية، ينبغي إعادة توجيه البوصلة نحو المواطن والمقيم، وهذا يتطلب إطلاق  عروض سياحية محلية مبتكرة تجمع بين الجودة والأسعار المنافسة، وتتكامل فيها عناصر الإقامة، النقل، والترفيه. 

دعم هذه العروض لا يقتصر على القطاع الخاص، بل يجب أن يكون مدعومًا بسياسات حكومية محفزة، تسهّل الوصول إلى هذه الوجهات، وتدعم الفعاليات المحلية  الجاذبة للمناطق السياحية داخل المملكة.

في المقابل، علينا أن نُقدم الأردن للعالم على أنه "واحة استقرار في محيط مضطرب”، هذه الهوية الاستثنائية لا تُسوّق تلقائيًا، بل تحتاج إلى أدوات حديثة تقودها حملات رقمية ذكية، بلغة العصر، تخاطب الأسواق الجديدة غير التقليدية ، وهنا، تبرز أهمية الشراكة مع المؤثرين الرقميين، ومنصات الحجز والسفر العالمية، وإعادة هيكلة الخطاب السياحي الأردني ليواكب احتياجات السائح العصري.

ان الجهود الترويجية وحدها لا تكفي ما لم تُقابل بإجراءات عملية على الأرض، فالدولة مطالبة اليوم بتحول نوعي في طريقة دعمها للقطاع السياحي من خلال الحوافز الضريبية وتخفيف الأعباء التشغيلية ودعم فواتير الطاقة .

ان تسهيل الوصول إلى التمويل ليس مجرد اجراءات مالية، بل رسائل ثقة واستقرار يجب أن تصل للمستثمر المحلي والدولي بأن الأردن جاد في حماية أحد أعمدة اقتصاده. 
ما هو مطلوب أكثر من أي وقت مضى هو إنشاء صندوق طوارئ سياحي يضمن حماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويمنع خروجها من السوق تحت ضغط الأزمات.

في قلب هذا المشهد، يتحمل القطاع الفندقي مسؤولية كبيرة في التكيف مع المتغيرات فلم يعد نموذج التشغيل القائم على السائح الأجنبي كافياً بل يجب تبني مفاهيم الخدمة الذكية، وتحسين تجربة النزيل من اللحظة الأولى، مع التركيز على الجودة، والمرونة في الأسعار، والابتكار في الخدمات المقدمة. الكوادر البشرية يجب أن تتلقى تدريبًا نوعيًا، يعزز مهارات التعامل مع تحديات السوق الجديدة، ويؤهلها لتقديم تجربة تضاهي أرقى المعايير الدولية.

إلى جانب ذلك، فإن تكامل جهود القطاع الخاص مع السياسات الحكومية لم يعد خيارًا بل ضرورة وطنية فالمطلوب اليوم هو تشكيل مجلس وطني لإدارة الأزمات السياحية، يضم ممثلين عن القطاعين العام والخاص، ويكون معنياً بالتخطيط، والمتابعة، واتخاذ إجراءات استباقية، بدلًا من انتظار ردود الفعل بعد تفاقم الأزمات.

ان الأزمة الحالية، بكل ما تحمله من تحديات، قد تكون لحظة فارقة في تاريخ السياحة الأردنية. إما أن تُقرأ كفرصة لإعادة البناء والتصحيح، أو تُترك فصلاً جديداً من التراجع والخسارات . 
ما يحتاجه الأردن اليوم ليس فقط إنقاذ الموسم السياحي، بل إعادة صياغة فلسفة القطاع برمته: من الاعتماد على الظروف إلى القدرة على تجاوزها، ومن السياحة الموسمية إلى التجربة المستدامة، ومن المعالجة السطحية إلى الرؤية العميقة المبنية على شراكة استراتيجية بين الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع.

يمثل القرار الأخير بإعفاء المنشآت السياحية والفنادق باستثناء فئة الخمس نجوم من فوائد البنوك على القروض الجديدة خطوة محفزة تُسهم في تخفيف الأعباء المالية ودعم الاستثمار في القطاع. غير أن توسيع هذا الإعفاء ليشمل القروض القديمة أيضًا قد يكون له اكبر الأثر، إذ يوفّر متنفسًا حقيقيًا للمؤسسات المتضررة، ويمنحها فرصة لإعادة ترتيب أوضاعها والاستمرار في تقديم خدماتها، بدلًا من الخروج القسري من السوق تحت ضغط الالتزامات المتراكمة.

السياحة لم تعد مجرد خيار اقتصادي، بل ركيزة من ركائز الأمن الوطني، الاجتماعي، والثقافي. والمرحلة تفرض علينا جميعًا أن نرتقي بمسؤولياتنا لمستوى التحدي .

ان خبر تفوق الجناح الأردني في اكسبو ٢٠٢٥ على اجنحة دول كبرى في العالم رسالة اخرى اكد عليها سمو ولي العهد الأمير الحسين بان لدينا من القيم الثقافية والحضارية والسياحية المتعاظمة في الأردن ما نقدمه للعالم بكل ثقة واقتدار .
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS